"اصحى الله يخربيتك فيه مصيبة" قصة حقيقية


 

"اصحى الله يخربيتك فيه مصيبة" قصة حقيقية  

صحيت من نومي مخضوض على الجملة دي من زميلي وهو بيقتحم الاوضة عليا،  صحيت وانا بلعن الشغلانة دي الف مرة

وده ببساطة لأني شغال ممرض في مستشفى على الطريق السريع الدولي،  او بالأخص مشرحة،  لإن كل الحوادث اللي بتحصل على الطريق ده مفيش منها نجاة،  بقالي تلت سنين شغال وملحقناش غير عشر اشخاص من ستوميت شخص بيجوا اصلا اموات،  وارمي في الثلاجة بتاعت المشرحة لحد ما الشرطة تيجي الصبح.. 

نسيت اقولك اني شغال وردية بالليل واغلب حوادث الطريق بتحصل بالليل،  شوفت العجب العجاب طول التلت سنين دول،  بس اللي كان مستنيني انهاردة كانت حاجة فوق الخيال.. 

صحيت وانا بسأله عن السبب،  قالي الاسعاف جايبة مصابين كتير،  جريت بسرعة ولبست الروب بتاع الممرضين ونزلت استقبل الاسعاف في الاستقبال.. 

وجت عربيتين اسعاف والسرينة شغالة بأعلى صوت،  واتفتح الباب وخرجت الاجسام المتقطعة.. 

كانوا اربع اطفال وست وراجل،  تقريبا كلهم مكنش فيهم حتة سليمة،  الست رقبتها مكسورة وعمودها الفقري ملوي بطريقة مخيفة،  الراجل فيه شق كبير في مقدمة رأسه والشفاه مشقوقة بالكامل ودراعه اليمين مقطوع.. 

الاطفال بين كسور عنيفة وجروح وواحد فيهم عينيه اليمين مفقوعة.. 

يعني من الأخر كدا ده تقرير مبدأي يقولك ابقا قابلني لو واحد فيهم نفع،  وانا بتكلم ببرود كدا عشان لازم ابقا بارد عشان اعرف انقذهم.. 

ورن جرس الطوارئ وكل ممرض مننا اتكفل بحالة عشان يلحقها،  خدت انا ترول حطيت عليه طفلة عندها حوالي سبع سنين..  

قطعت كل هدومها عشان اشوف مدى الاصابات عندها،  جسمها كان غرقان دم وعمالة تتنفض،  كانت عينيها اليمين مفقوعة وراسها مشقوقة،  ورجليها مكسورة وضلعين في القفص الصدري مكسورين.. 

كتمت الدم على راسها وانا ببتسم ليها،  لانها كانت بصالي بعين واحدة،  عين مفزوعة شكلها مرعب.. 

كلمتها عشان تفضل فايقة وقولت: 

- اسمك ايه

كنت عارف انها مش هترد،  بس العجيب انها مسكت ايدي جامد،  جامد اوووووووي

وبصوت مضطرب وبصدر عمال يتنفض قالتلي: 

- متسبنيش يا عمو

الكلمة خلعت صدري من مكانه،  دموعي نزلت زي السيل في لحظة واحدة،  قولتلها متخافيش والله ما هسيبك.. 

وفي لحظة كنت بخيط جرح راسها وبداوي مكان العين،  ربطت صدرها كله عشان كسر الضلوع واديتها دم بدل اللي فقدته.. 

كنت شغال بأقصى سرعة عشان انقذها،  بس جت في لحظة فضلت تنهج جامد،  تنهج،  وفجأة غرزت ضوافرها الصغيرة في دراعي وبصتلي بصة نشفت دمي في عروقي،  لحظات وتراخت ايديها الصغيرة وماتت.. 


حاولت اعملها تنفس،  احطها على الجهاز بس خلاص،  ملك الموت كان معايا في الاوضة،  بكيت،  بكيت اوووي وكلمة "متسبنيش يا عمو"  بترن في ودني،  حطيت دماغي على صدر البنت وبكيت،  بكيت بهيستريا.. 

ويمكن كل ده عشان كانت من عمر بنتي،  حسيت ان بنتي هي اللي كانت قدامي.. 

خرجت برة ودموعي بتسيل،  دكتور النبطشية كان طالع من اوضة الست وشه اصفر،  وطبعا الكل مات،  الكل بلا استثناء،  ست ارواح طلعوا للي خلقهم.. 


كتبنا التقارير بس انا مقدرتش اكتب حاجة،  حكيت اللي حصل لزميلي فكتبه بدالي،  بعدها خدنا الجثث على الثلاجة.. 

كنت بجر الترول اللي عليه البنت وانا عمال اكلمها.. 

"سامحيني يا حبيبتي والله مكنتش عايز اسيبك" 


ووقعت في نوبة بكاء هيستيري لما افتكرت بنتي،  حسيت انها هي اللي ماتت،  زمايلي اتلموا عليا وهدوني وجم يسحبوها بعيد عني،  بصتلهم بغضب وهددتهم محدش ياخدها مني،  وديتها الثلاجة وحطيتها في درج من ادراج الجثث وانا عمال احسس على شعرها.. 

كنت نوعا ما راضي، كانت هتعيش ازاي من غير ابوها وامها، يمكن ده كان لطف ربنا، بس 

بس

شبه بنتي اوي

و

وبكيت تاني قدام درجة التلاجة اللي اتحطت فيه، بكيت كتير، بكيت لدرجة اني قعدت وسندت ضهري على الحيطة ونمت..


معرفش ازاي وليه بس انا نمت، نمت عشان اشوف عربية بتجري بأقصى سرعة، ولما جت عند ملف وبسرعتها دي اتقلبت، اتقلبت وفضلت تتدحرج على الطريق لحد ما استقرت على جانب الطريق..


جريت على العربية بس المفاجأة اني ملقتش حد، فضلت ادور زي المجنون عشان فجأة الاقي البنت واقفة الناحية التانية، جريت عليها عشان اطمن لقيتها واقفة بنفس الهيئة اللي جتني فيها في المشرحة..

ملطخة بالدم ورجليها مكسورة وعنيها اليمين بايظة خالص، بس مكانت بتتألم خالص..


حضنتها وكأني في الحلم كنت ملهوف عليها بطريقة رهيبة.. 

لحظات ولقيتها بتبكي، حاولت اواسيها عشان الاقيها بتقول:


- بابا قتلنا يا عمو

حضنتها اكتر وانا بقول:

- مكنش يقصد يا قمر، غصب عنه اتقلبت العربية 

- بس ده مكنش بابا 

بعدتها عني برفق وبصتلها بتعجب وقولت:

- امال ده مين  ؟؟

- ده عمو منصور

قالتها وفضلت تصرخ بصوت مخيف:

- قتلنا ليه، ليه، ليه، ليه


صحيت منفوض لما سمعت ضربة على درج التلاجة، تلاجة البنت الصغيرة..

خرجت من الثلاجة كلها وانا عرقان وقلبي عمال يدق بعنف..

"بابا قتلنا يا عمو"

"ده عمو منصور"


جريت على الارشيف وشوفت بطايق الهوية، وكان المفاجأة..

اللي مات عم الاولاد واللي اسمه منصور وامهم، امال فين ابوهم  ؟؟

فضلت طول الليل بفكر، لحد ما ع الساعة اربعة قبل الفجر حسيت بالحنين، الحنين والشوق للبنت، كان المكان كله صامت..


مشيت لحد الثلاجة ودخلت منها، المكان بارد اوي على غير العادة، وصلت لدرج البنت  و

سمعت صوت همسات في اخر الاوضة، بصيت عشان شعر جسمي كله ينتصب..

البنت كانت واقفة مدياني ضهرها، بصتلها وجسمي كله بيتنفض، كان الدم بينزل منها في الأرض، وفجأة النور كله قطع..


حسيت ان قلبي هيقف، قرأت قرآن واستعنت بالله عشان يرجع النور، بس ملقتش البنت، جريت على المكان اللي كانت فيه لقيت كلمتين مكتوبين بالدم..


دردشتي

بابا


فضلت افكر وافكر بس للأسف مفهمتش، خرجت من المكان وانا هتجنن، مسكت موبايلي وبكل شرود كتبت على متجر بلاي

"دردشتي"

وذهلت لما لقيت تطبيق اسمه دردشتي..

يارب، انا قربت اتجنن، النجاة يارب


تاني يوم جت الشرطة وجه الأب، كان بيصرخ زي المجنون على باب المشرحة الخارجي، كنت خلصت الوردية بتاعتي، معرفش ليه قربت منه ووسط كل الناس اللي بتواسيه لقيتني وسط الزحام بحط ايدي في جيبه وباخد موبايله..

عملت كل ده ومعرفش حصل ازاي، روحت البيت وديت الموبايل لواحد صاحبي بتاع موبيلات فتحهولي لان كانت عليه كلمة سر..


خدت الموبايل على البيت ودورت عليه، بس ملقتش تطبيق دردشتي ده خالص..

طيب اعمل ايه  ؟؟

دخلت حملته على موبايل الأب ودخلت عليه..

لقيت مكتوب  التسجيل من خلال رقم الهاتف

دوست عليها

دخلت لقيت رسالة  "هل تريد استرجاع دردشاتك القديمة"

وبكل لهفة دوست نعم، ولقيت محادثة واحدة بس..

وكانت الطامة الكبرى..

الأب كان على علاقة بمرات اخوه منصور، والعلاقة تطورت لحب وخيانة من الدرجة الاولى، ومش بس كدا، دول اتفقوا انها تتخلص من اخوه، وهو يتخلص من مراته واولاده عشان يتجوزها، معرفش الجنان ده جالهم امتا..


بل انه كتب انه هيتفق مع اخوه انهم هيسافروا كلهم، وهيتحجج انه وراه مصلحة وهيبعت مراته واولاده معاه على اساس انه هيحصلهم، وكمان هي تتحجج بأن امها تعبانة وهتحصلنا بعد يومين..

والأب راح لميكانيكي يبوظ الفرامل بحيث انها تتحمل ساعة واحدة وتبوظ خالص..


ويالفعل لما جه عم الاولاد يهدي على الطريق الفرامل مشتغلتش والعربية اتقلبت.. 

وفي اخر المحادثة كان بيقولها تحذف التطبيق كله عشان الجريمة تبقا كاملة.. 

يا شوية انجاس،  لعنة الله عليكم


خدت الموبايل وروحت للضابط اللي يعتبر صديقي من كتر ما بييجي المستشفى كل حادث،  حكيتله كل حاجة،  وكان مقتنع بإن فعلا في رسايل بتيجي من العالم الاخر. 

والموبايل اتسلم للنيابة اللي استدعت الاب وزوجة عم الاولاد.. 

واعترفوا،  اعترفوا بالكارثة اللي خططولها،  وحكمت المحكمة بالاعدام على الأب وبالأشغال الشاقة المؤبدة على زوجة اخوه.. 

"أحمد محمود شرقاوي"

الأب انتحر في الحبس.. 

وزوجة اخوه اتجننت.. 

والبنوتة الصغيرة ماتت.. 

الله يرحمها ويرحمهم كلهم

"أحمد محمود شرقاوي"

"تمت"

هستناكم في حفل توقيع أعمالي بمعرض القاهرة للكتاب يوم الجمعة 2/7 الساعة ١٢ ظهرا..